الشيخ محمد الامير السنباوى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الشيخ محمد الامير وجواز البناء علي القبور با الدليل القا طع

اذهب الى الأسفل

الشيخ محمد الامير وجواز البناء علي القبور  با الدليل القا طع  Empty الشيخ محمد الامير وجواز البناء علي القبور با الدليل القا طع

مُساهمة  nana الأحد أغسطس 18, 2013 11:25 pm

كم البناء على القبور في المذهب المالكي
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ؛ سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد:
فإن البناء المتعلق بالقبور ثلاثة أنواع :
النوع الأول : البناء على القبر نفسه.
النوع الثاني: البناء حول القبر للتحويز.
النوع الثالث: بناء البيوت والقبب.

النوع الأول : البناء على القبر نفسه :
يختلف حكم البناء على القبر نفسه باختلاف الدافع الذي يدفع لهذا البناء : هل هو تمييز القبر والمحافظة عليه ، أم هو دافع المباهاة والتفاخر؟
1 – البناء بدافع تمييز القبور:
إذا كان دافع البناء هو تمييز القبرعن غيره من القبور جاز البناء : قال العلامة خليل في مختصره -وهو يتحدث عن البناء على القبر- " وجاز للتمييز ". قال الخرشي في شرحه لهذا النص : "فإن قصد بالبناء التحويز والتمييز جاز ، وظاهره سواء كانت الأرض مملوكة ، أو مباحة ، أو مُسَبَّلة للدفن ، وهو الذي يفهم من كلام اللخمي وغيره"1 ، لأن علة المنع والنهي عن البناء على القَبور هي إرادة الفخر والمباهاة والسمعة ، وحين يكون البناء للتمييز تنتفي العلة ، والحكم يدور مع العلة وجودا وعدما ، قال ابن بشير: وينهى عن بنائها – يعني القبور- على وجه يقتضي المباهاة.... وأما البناء الذي يخرج على حد المباهاة فإن كان القصد به تمييز الموضع حتى ينفرد بحيازته فجائز ، وإن كان القصد به تمييز القبر عن غيره فحكى أبو الحسن عن المذهب قولين: الكراهة ، وأخذها من إطلاقه في المدونة ، والجواز في غير المدونة ، والظاهر أنه متى قصد ذلك ( أي تمييز القبر عن غيره )لم يكره ، وإنما كره في المدونة البناء الذي لا يقصد به علامة ، وإلا فكيف يكره ما يعرف به الإنسان قبر وليّه ، ويمتاز به القبر حتى يحترم ، ولا يحفر عليه إن احتيج لقبر ثان2 .
2 – البناء بدافع المباهاة : إذا كان الدافع للبناء على القبر التباهي والتفاخر، فيحرم اتفاقا ، كما يحرم التباهي في كل شيء من اللباس ، والمسكن ، والمركوب ، والمناصب والمراكز ، قال الشيخ الإمام خليل في مختصره : "وإن بوهي به حَرُم ". 3

دلالة تنوع الحكم واختلافه :
تنوع حكم البناء على القبر واختلافه يعني أن حديث النهي عن البناء على القبر معلل بعلة ؛لأنه من أمور العادات كسائر الأبنية ، وليس من أمور العبادات ، وأن العلة فيه لا بد أن تكون من باب المفاسد ؛لأن النهي لا يكون إلا عن المفاسد ؛قال الإمام القرافي: "النهي يعتمد المفاسد"4 . أي على وجود مفسدة في الشيء ، فإذا كان في الشيء مفسدة نهي عنه ، مع اختلاف درجة النهي ، وإذا لم تكن فيه ، أو كانت فيه وكانت نسبتها ضعيفة لم ينه عنه ، والبناء على القبر لا يكون دائما من باب المفاسد ، بل أحيانا يكون من باب المفاسد ، وأحيانا أخرى يكون من باب المصالح ، ولا يمكن أن تنهى الشريعة عن المصالح ، والقاعدة تقول : حيثما المصلحة فثم شرع الله ، والبناء على القبر حين انتفاء الموانع – كدافع المباهاة مثلا – يكون فيه جلب مصالح ودفع مفاسد ، أما المصالح فاحترام القبر وبقاؤه وعدم اندراسه واندثاره .
وبقاء معالم القبر مطلب شرعي ، فقد كانت السيدة فاطمة – رضي الله عنها – ترم قبر عمها حمزة . وكان الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- يرم قبر ابنه ؛ روى أحمد بإسناده عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يتعهد قبر عاصم بن عمر .قال نافع : وتوفي ابن له – وهو غائب – فقدم ، فسألنا عنه ، فدللناه عليه ، فكان يتعاهد القبر ، ويأمر بإصلاحه 5 . والبناء يحقق هذا الهدف.
أما دفع المفاسد فالبناء يمنع من وطء القبر والمشي عليه ، ويمنع من الحفر عليه بعد زمن ، ويمنع كسر عظام الميت ، وكسر عظام الميت ككسره حيا ، كما جاء في الحديث ، ومبنى الشريعة على مراعاة مصالح العباد الدينية والدنيوية .
وما تقدم يعني أن النهي في الحديث ليس لذات البناء ، وإنما للوصف القائم بالبناء ، أو للعوارض المتعلقة به :
- روى ابن أبي شيبة : أنه مات ابن لزيد بن أرقم – رضي الله عنه – يقال له سويد ، فاشترى غلام له أو جارية جصا أو آجُرًا فقال له زيد : ما تريد إلى هذا ؟ قال : أريد أن أبني قبره وأجصصه ، قال : جفوت ولغوت ، لا يقربه شيء مسته النار.
ووجه الدلالة في الأثر : أنه قال له : أريد أن أبني على قبر ابنك بالآجر ، فقال له : لا تبن بالآجر ؛ لأن الآجر شيء دخلت في صناعته النار ، فاعتراضه كان على مادة البناء لا على البناء نفسه ، ولو كان حكم النهي عاما لقال له : لا تبن ؛ فإن البناء مكروه أو حرام .
ملاحظتان :
الملاحظة الأولى : بعض فقهاء المالكية يكرهون البناء على القبر مطلقا بكل حال ،لأن ذلك عندهم من باب الزينة 6.
ويمكن أن يناقش هذا الرأي بأن البناء العادي على القبر ليس من الزينة في شيء، ولا يراد به الزينة، وإنما يراد به حفظ القبر من الدوس والامتهان واندثار الأثر الذي لا يعرف معه القبر، وإذا قصد بعضهم الزينة فذاك أمر زائد على البناء ، فيكون الحكم متعلقا بالزينة لا بنفس البناء ، ويقال حينئذ : تزيين القبر وتزويقه مكروه ، لا أصل البناء7 .
الملاحظة الثانية : ما تقدم من جواز البناء على القبر إذا كان للتمييز ؛ قد يقول قائل : إنه معارض بما رواه البيهقي في سننه الكبرى ، وابن أبي شيبة في مصنفه عن ثمامة بن شفي قال: خرجنا غُزَاة في زمن معاوية إلى هذا الدرب وعلينا فُضَالة بن عبيد ، قال: فتوفي ابن عم لي ، يقال له "نافع" ، فقام معنا فضالة على حفرته ، فلما دفناه قال : خففوا عن حفرته؛ فإن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كان يأمر بتسوية القبر.
ففي هذا الأثر أمرهم بعدم الإكثار من التراب الذي يوضع فوق القبر؛ لأن الإكثار منه يثقل على الميت، والبناء أثقل من التراب .
والجواب عن هذا : أن التعليل الذي أورده فضالة بن عبيد – رضي الله عنه- يعقل في زمنهم حيث كانوا يستخدمون القصب وشبهه في غلق اللحد أو تسقيف القبر، روى ابن أبي شيبة : أن إبراهيم النخعي قال : كان الصحابة يستحبون القصب ، ويكرهون الخشب، وروي عن سعيد بن العاص أنه قال : اجعلوا على قبري اللبن والقصب ، كما جعل على قبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ،وقبر أبي بكر وعمر 8. أما في زماننا ومجتمعنا فهذه العلة منعدمة ؛ لمتانة جوانب القبر ومتانة سقفه ، والحكم يدور مع العلة وجودا وعدما .
وعلى كل حال فالنهي عن البناء على القبر لا يشمل البناء الذي حول القبر كالقبة ؛ لــ:
- أن التعليلات الواردة في كتب الحديث لا تشمله .
- أن حرف "على" الوارد في حديث النهي عن البناء على القبور موضوع في اللغة للاستعلاء ؛كقوله تعالى( لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ).
حديث أبي الهيّاج :
الأحكام السابقة قد يتبادر إلى ذهن البعض أنها معارضة بما روي عن أبي الهيّاج الأسدي قال: بعثني علي – رضي الله عنه - قال لي : أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – "أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سوّيته ، ولا تمثالا إلا طمسته"9 .
والجواب عن هذا الإشكال :
1 –بأنه لا يصح تفسير كلمة "سوّيته" في الحديث بتسوية القبور؛ لأنها لو فسرت بهذا التفسير فسيكون الحديث مصادما ومعارضا لأحاديث أخرى واردة في البخاري ، وغيره ، ودين الله لا اختلاف فيه ولا تناقض :
- جاء في صحيح البخاري عن سفيان التمار : "أنه رأى قبر النبي – صلى الله عليه وسلم- مسنما"10 . والتسنيم الرفع عن الأرض ، جاء في المصباح المنير : سنّمت القبر تسنيما ؛ إذا رفعته عن الأرض كالسنام11 ، ويعني هذا أن قبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان مرتفعا عن الأرض لا مسوى بها ، وسيدنا علي – رضي الله عنه – الذي روى عنه أبو هياج الحديث السابق شارك في دفن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ولو كان رفع القبر ممنوعا لما رفع قبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم - .
- جاء في صحيح البخاري عن خارجة بن زيد قال : "رأيتني ونحن شبّان في زمن عثمان ، وإن أشدنا وثبة الذي يثب قبر عثمان بن مظعون حتى يجاوزه "12.
وهذا الأثر يعبر عن ارتفاع قبر عثمان بن مظعون أشبارا متعددة ، حتى إن أشد الشبّان قفزا هو الذي يستطيع أن يثب ، ويقفز، ويتجاوز قبر عثمان بن مظعون ، وهذا الارتفاع كان على مرأى ومسمع من الصحابة ، في خلافة سيدنا عثمان – رضي الله عنه - بما فيهم سيدنا علي – رضي الله عنه – وهو من آل البيت الذين كانوا يدفنون موتاهم في جوار قبر عثمان بن مظعون .
ولو كان المقصود بحديث أبي هياج السابق " أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سوّيته " التسوية بالأرض ؛ لما رضي سيدنا علي وغيره من الصحابة ببقاء قبر عثمان بن مظعون مرتفعا ارتفاعا كثيرا.
وليس قبر الرسول – صلى الله عليه وسلم – وقبر عثمان بن مظعون الوحيدين في الارتفاع عن الأرض ، بل كذلك قبر سيدنا أبي بكر وعمر، وقبور المهاجرين والأنصار13 ؛ قال الحافظ الذهبي : السنة تسنيم القبور14؛ أي رفعها عن الأرض كالسنام .
حل الإشكال: القاعدة الأصولية لدراسة النصوص المتعارضة : أن يحمل كل نص من النصوص على وجه من الوجوه ، وتفسير من التفسيرات ، غير الذي يحمل عليه النص الآخر ؛ لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما بالكلية ؛ لكون الأصل في الدليل هو الإعمال لا الإهمال 15.
كيفية التأويل: هناك عدة طرق لتأويل وتفسير حديث أبي هياج السابق ، حتى لا يصطدم مع الأحاديث الأخرى ، ومن هذه التأويلات :
- أن يفسّر قوله: " قبرا مشرفا إلا سويته" بمعنى عدّلته ، كقوله تعالى فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) ويكون المعنى : عدّلت القبر المرتفع ؛ بأن تجعله مسطحا ، قال الإمام النووي : الجواب ما أجاب به أصحابنا : لم يرد التسوية بالأرض ، وإنما أراد تسطيحه – أي تسطيح الارتفاع- جمعا بين الأحاديث16 .
- أن يفسر قوله " قبرا مشرفا إلا سويته" بأن المقصود به قبور المشركين تسوى بالأرض ، لا قبور المسلمين التي دلت النصوص على ارتفاعها ، ويقوي هذا التفسير أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كان يحضر جنائز المسلمين ويحضر دفنهم ، ومع حضوره ورؤيته لا تتوقع المخالفة ، ثم إن المسائل التي تتعلق بعامة المسلمين ، كان من عادة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يعلنها على الملأ، ويبين حكمها لجمهور المسلمين ، كما في قوله – صلى الله عليه وسلم – " ألا إن دماءكم ، وأموالكم ، وأعراضكم عليكم حرام ".

النوع الثاني : البناء حول القبر للتحويز:
البناء للتحويز: هو أن يبنى حائطا يحيط بالقبر من كل الاتجاهات .
واختلف الفقهاء في كراهته ، والذي اختاره الإمام الحطاب ، وسلّم به البنّاني ، ونص عليه الشيخ خليل في مختصره : أن التحويز بالبناء اليسير لتمييز القبور جائز في مقابر المسلمين . قال الحطاب : وهو الذي يفهم من كلام اللخمي ، وابن بشير ، وابن عبد السلام ، ومن أجوبة ابن رشد للقاضي عياض . قال الخرشي في شرحه على مختصر خليل : فإن قصد بالبناء التحويز والتمييز جاز ، وظاهره سواء كانت الأرض مملوكة ، أو مباحة ، أو مسبّلة للدفن ، وقال اللخمي : لا بأس بالحائط اليسير الارتفاع ليكون حاجزا بين القبور ؛ لئلا يختلط على الناس موتاهم مع غيرهم ؛ ليترحم عليهم ، ويجمع إليهم غيرهم ؛ أي حين يموتون .
وهذا الجواز مشروط بعدم قصد المباهاة ، وأن لا يبلغ الحائط إلى حد يأوي إليه أهل الفساد17 .

النوع الثالث : بناء البيوت والقبب :
يختلف حكم بناء البيوت والقبب على القبور باختلاف المكان الذي بني فيه : هل هو أرض مملوكة، أو موات ليست لأحد ، أو أرض حبس لموتى المسلمين :
1 – البناء في الأرض المملوكة والموات :
بناء القبب والأبنية في الأرض المملوكة للميت ، أو المملوكة لأحد ، وأذن في الدفن فيها والبناء عليها ، أو في أرض موات لا يملكها أحد جائز ؛كما قال ابن رشد ، وابن القصار ، وابن الحاج ، والمسناوي، والبرزلي ، والسجلماسي ، والعميري ، والزرقاني، والفاسي ،وجسوس :
- قال ابن رشد: وإن كان بناؤها في ملك بانيها ؛ فحكمها حكم بناء الدار18.
- قال ابن القصار : لا يكره بل يجوز. 19
- قال ابن الحاج : البناء في القبور غير منهي عنه ، إذا كان في ملك الإنسان نفسه20
- قال المسناوي في البناء على قبر الرجل الصالح للتمييز والتعظيم لقدره ومقامه : البناء على من ذكر بقصد ما ذكر جائز مطلوب؛ إذا كان في أرض مملوكة للباني أو لغيره ، وأذن للباني فيها ، أو مباحة لا ملك لأحد عليها ، مالم يكن بحيث يأوي إليه أهل الفساد ، وإلا حرم21 ، أي إلا إذا قدر على منعهم فيجوز؛ لانتفاء علة التحريم .
- قال البرزلي : مشاهد العلماء وأهل الصلاح فحكمها حكم البيوت ، فما جاز في البيوت جاز فيها ، وما لا فلا22 .
- قال السجلماسي في شرحه على العمل الفاسي : مما جرى به العمل بفاس وغيرها تحلية قبور الصالحين بالبناء عليها تعظيما .... وجواز البناء على القبور منقول عن ابن القصار ، وإذا كان ذلك مع مطلق القبور- مع عدم قصد المباهاة - كان البناء بقصد تعظيم من يعظم شرعا أجوزه 23.
- قال العميري في شرحه على العمل الفاسي : والعمل بالبناء على القبور جائز أيضا ، وقد كتب شيخ شيوخنا سيدي عبد القادر الفاسي : ولم يزل الناس يبنون على مقابر الصالحين وأئمة الإسلام شرقا وغربا ، كما هو معلوم ، وفي ذلك تعظيم حرمات الله ، واجتلاب مصلحة عباد الله ، لانتفاعهم بزيارة أوليائه ، ودفع مفسدة المشي والحفر ، وغير ذلك ، والمحافظة على تعيين قبورهم وعدم اندراسها ، ولو وقعت المحافظة من الأمم المتقدمة على قبور الأنبياء لم تندرس وتجهل ، بل اندرس أيضا كثير من قبور الأولياء والعلماء ؛ لعدم الإهتمام بهم وقلة الإعتناء بأمرهم24 .
- قال جسوس في شرح الرسالة : ويكره البناء على القبور ، وقد يحرم وقد يجوز إذا كان للتمييز ، ويستثنى قبور أهل العلم والصلاح فيندب لينتفع بزيارتهم25 .
وهناك نقولات أخرى في المذهب المالكي و في المذاهب الأخرى توافق هذا وتؤيده ، ومن هذه النقولات :
الحنابلة : قال ابن مفلح في كتاب الفروع من فقه الحنابلة : وذكر صاحب المستوعب والمحرر : لا بأس بقبة وبيت ، وحظيرة ، في ملكه ؛ لأن الدفن فيه مع كونه كذلك مأذون فيه . ثم قال ابن مفلح: قال في الفصول : القبة والحظيرة والتربة إن كان في ملكه فعل ما شاء26 .
الشافعية : قال ابن حجر الهيثمي من الشافعية في " التحفة " في باب الوصية : وإذا أوصى لجهة عامة فالشرط أن لا يكون معصية ، ثم قال : وشمل عدم المعصية القربة ؛ كبناء مسجد ولو من كافر ، ونحو قبة على قبر في غير مسبّلة27 .
- أفتى العز بن عبد لسلام بهدم القباب التي في القرافة ، واستثنى من ذلك قبة الإمام الشافعي ؛ لأنها مبنية في دار ابن عبد الحكم 28 .
الأدلة : استدل العلماء على جواز البناء على القبور الموجودة في الأملاك :
1 – بما ثبت بالتواتر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم – دفن في بيته داخل البناء بإجماع الصحابة ، وإذا جوّز الشارع وجود الميت داخل البناء فقد جوّز البناء عليه ، إذ لا فرق بين أن يوجد البناء بعد الدفن ، أو يوجد قبله ، لأن الغاية واحدة والصورة متفقة ، وهي وجود القبر داخل البناء 29
ويؤكد عدم وجود فرق بين البناء قبل والبناء بعد ، ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد قال : سقط الحائط الذي على قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – فستر ، ثم بني 30 .
ولهذا قال ابن حزم الذي روى هذا الأثر : فإن بني عليه بيت أو قائم لم يكره ذلك 31.
2 – مشروعية الوقف الخيري في وجوه البر والإحسان ، والبناء على القبر في الأملاك وقف قصد به خدمة الزائرين ووقايتهم من الحر والبرد وغير ذلك من العاديات والمكروهات.

البناء في الأراضي المحبّسة :
اختلف الفقهاء في بناء القبب في الأرض المحبسة والمسبّلة للدفن :
رأي الجمهور :
يرى جمهور الفقهاء وغالبيتهم الساحقة : أن البناء على القبور في الأرض المحبسة لدفن موتى المسلمين حرام ؛ لأن في ذلك تضييقا على الناس واعتداء على حق الغير فيها ، وأنه يجب هدم ما بني فيها 32.
غير أنه مما يجب الإنتباه إليه عند أصحاب هذا الرأي أنه ليس كل بناء يوجد في المقابر الآن يجوز هدمه ؛ لأنه كثيرا ما جرت العادة أن يدفن ولي في أرضه أو بيته ، ثم يحدث الدفن بعد ذلك بجواره وفي الأرض المحيطة به ، فقبر العباس – رضي الله عنه مثلا - وقبر أئمة أهل البيت الموجودة الآن في مقبرة البقيع كانت في دار عقيل ، وقبر إبراهيم ابن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان في دار محمد بن زيد بن علي ، هذه الدار التي كانت مملوكة لأصول محمد ، وقبر سعد بن معاذ كان في دار ابن أفلح33 ؛ أي أن قبورهم في الأملاك كانت في جوار المقبرة ، ومع مرور الوقت ، وإحاطة القبور بتلك الديار ، يحدث الشك في أصل البناء الذي كان عليهم هل كان في الملك أم في الحٌبُس ؟ وهو الأمر الواقع في أغلب مقابر ليبيا ، والحكم الشرعي في هذا أنه يحرم الهدم والتعدي ، مع الشك ؛ فالقاعدة تقول : الفعل الصادر من المسلم إذا كان له وجهان ؛ على أحدهما يكون صحيحا ، وعلى الآخر يكون فاسدا ، يجب حمله على الوجه الصحيح ، ولا يجوز حمله على الوجه الفاسد ؛ إلا مع العلم والتيقن34 .
والأمر كذلك في الأبنية الموجودة الآن في المقابر على مقامات الأولياء فيها احتمال أن تكون بنيت في ملك الميت ، أو في ملك الغير بإذنه ، أو في أرض موات لا يملكها أحد ، ثم حدثت المقبرة بعد ذلك بجواره ، وهناك احتمال أن تكون بنيت في أرض موقوفة . والقاعدة السابقة تقول : يجب عليك حملها على الوجه الصحيح – وهو أنها بنيت في أرض مملوكة أو في أرض موات – حتى يثبت العكس . جاء في حواشي البجيرمي على شرح الخطيب : ولو وجدنا بناء في أرض مسبّلة ، ولم يعلم أصله ترك ؛ لاحتمال أنه وقع بحق 35.
ومن هدم هذا البناء الموقوف على خدمة الزائرين ، مع احتمال أنه وقع بحق فيعتبر متعديا ، ويطالب ببناء ما هدمه . قال خليل : " ومن هدم وقفا فعليه إعادته 36 ".

القول الثاني : يرى أصحاب الرأي الثاني : أنه لا يتعرض للبناء الموجود في المقابر على قبور الصالحين ، حتى مع العلم بحبسية المكان الموجود فيه القبر ، قال الإمام محمد الأمير المالكي : نعم في أواخر الباب الثالث عشر من منن الشعراني : أن السيوطي أفتى بعدم هدم مشاهد الصالحين بالقرافة ؛ قياسا على أمره – صلى الله عليه وسلم – بسد كل خوخة في المسجد ، إلا خوخة أبي بكر ، قال الشيخ الأمير : وهو فسحة في الجملة ، لكن سياقه بعد الوقوع والنزول ، قال الشيخ حجازي : - أي سياق كلام الشعراني – فلا يلزم من الاغتفار بعد الوقوع جواز القدوم على ذلك 37.
ويرى بعض علماء الشافعية جواز القدوم عليه ؛ قال الحلبي في حاشيته على المنهج : واستثني قبور الأنبياء – عليهم السلام – ، والصحابة - رضي الله عنهم - ، والعلماء ، والأولياء – رحمهم الله - فلا تحرم عمارتها في المسبّلة ؛ لأنه يحرم نبشهم والدفن في محلهم ، ولأن في البناء تعظيما لهم ، وإحياء لزيارتهم . ثم قال : ولا تغترّ بما وقع لابن حجر كغيره في هذا المحل 37 .
الأدلة : استند أصحاب هذا الرأي على :
1 – قياس المقبرة على المسجد ، فقد كانت بعض أبواب الصحابة مفتوحة في المسجد – الذي هو حبس- فأمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بغلقها جميعا ، واستثنى خوخة أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – ، والجامع بينهما استثناء المتميز في المسلمين ، وتجويز أن يستفيد من الحبس العام أكثر من غيره .
2 – القياس على الإلغاء ؛ فكما يجوز إلغاء المقبرة لطريق - مثلا – نفعا للأحياء وخدمة لهم ؛ فكذلك يجوز أن يحدث في المقبرة ما فيه نفع للزائرين كبناء يقيهم الحر والبرد من باب أولى ؛ لبقاء المقبرة.
وهدم القبور يثير الفتن ، ويزرع المحن ؛ أخبر الحافظ السيوطي أنه في القرن الثالث الهجري236 هـ أمر المتوكل بهدم قبر الحسين – رضي الله عنه – وهدم ما حوله من الدور ، وأن يعمل مزارع ، ومنع الناس من زيارته ، فخَرب وبقي صحراء ، وكان المتوكل معروفا بالتعصب ، فتألم المسلمون من ذلك ، وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد ، وهجاه الشعراء ، ومما قيل في ذلك :

بـالـلـه إن كــانت أميـة قـد أتـت قتل ابن بنت نبيها مظلوما
فــلـقــد أتـــاه بـنـو أبـيـه بمـثلـه هذا لعمري قبره مهـدوما
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا فـي قتلـه فتـتبـعـوه رميمـا38
الخلاصة :
1 - لا يجوز هدم أي ضريح في بلادنا ؛ إما لأن أغلبها معلوم أنه أسس في أرض مملوكة للميت أو لورثته ، أو لأحد من الناس وأذن له بالبناء عليها ، أو في أرض موات ، أو لأنها غير معلومة الأصل هل هي ملك ، أو وقف ؟ والقاعدة السابقة تقول : الفعل الصادر من المسلم إذا كان له وجهان على أحدهما يكون صحيحا ، وعلى الآخر يكون فاسدا ، يجب أن يحمل على الوجه الصحيح ، ولا يجوز حمله على الوجه الفاسد إلا مع العلم والتيقن .
2 - يجوز بناء القباب في الأراضي المملوكة ، أو في أراضي الموات على قبور المتميزين – كعمر المختار ؛ لأن البناء عليها :
- يبين اتجاه الأمة ؛ فالأمم الأخرى تعظم فلاسفتها ، وعلماءها ، وأصحاب المجد فيها ، والأمة الإسلامية تعظم صالحيها وعلماءها ، والمجاهدين فيها ، وتحيي ذكرهم ؛ ليكونوا قدوة للأجيال المتلاحقة .
- يبين أخلاق الأمة ؛ فالأمة الإسلامية لا تنسى فضل من خدمها ، وضحى في سبيلها ، وأنها ستكافئه بالوقوف على قبره ، والترحم عليه ، والدعاء له ؛ قال الله تعالى : ( وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ) و (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ).
3 – يحقق مقصدا من المقاصد الإسلامية ؛ وهو التعريف بالقبور المباركة : عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال عن قبر موسى – عليه السلام - : لو كنت ثم – أي في أرض الشام – لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر. 39
والإراءة قد تكون بالقول ، وقد تكون بالشيء المادي المحسوس إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر ، والبناء المخصوص المتميز الذي يجعل على أضرحة الصالحين يحقق الإراءة والتعريف اللذين قصدهما – صلى الله عليه وسلم - ، بل هو أعظم في التعريف والإراءة من الكثيب الأحمر، فينبغي أن يُجَوَّز وأن يعمل به من باب أولى ؛ لأنه يحقق بوضوح مقصد رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ؛ بحيث يفهمه العام والخاص .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد في الأولين والآخرين .

كتبه محمد عز الدين الغرياني ، في بلاد تاجوراء التي هي من ضواحي طرابلس الغرب . جعله الله خالصا لوجه الكريم ، ونفع به إلى يوم الدين .
راجعه وأجازه
- الشيخ الدكتور عمران علي العربي في بيته بمسلاته لما قرأنا عليه بعد المغرب يوم الأربعاء الموافق 23-11-2011
- الشيخ العلامة محمد حسين يوسف بادي في مسجد سيدي فتح الله بمصراتة بعد صلاة المغرب يوم الخميس الموافق 24-11-2011.
- الشيخ مصطفى امحمد محمد قواسم في مسجد سيدي فتح الله بمصراته بعد صلاة العشاء بوم الخميس الموافق 24-11-2011
- الشيخ محمد عبد اللطيف محمد السبتي في مسجد سيدي فتح الله بمصراته بعد صلاة العشاء بوم الخميس الموافق 24-11-2011
- الشيخ علي أحمد بيت المال في مسجد سيدي فتح الله بمصراته بعد صلاة العشاء بوم الخميس الموافق 24-11-2011
- الشيخ خليل عبد الهادي قرطع في مسجد سيدي فتح الله بمصراته بعد صلاة العشاء بوم الخميس الموافق 24-11-2011
- الشيخ إبراهيم يوسف خليفة بن غشير في مسجد سيدي فتح الله بمصراته بعد صلاة العشاء بوم الخميس الموافق 24-11-2011 عضو المجلس المحلي مصراتة
- الشيخ عبد المنعم أحمد أبو زيان في مسجد سيدي فتح الله بمصراته بعد صلاة العشاء بوم الخميس الموافق 24-11-2011
- الشيخ الدكتور سالم محمد مرشان في مسجد سيدي فتح الله بمصراته بعد صلاة المغرب بوم الخميس المواف 24-11-2011 عضو المجلس المحلي الخمس

الهوامش :
1- شرح الخرشي / ج 2 ص 139 -140 ، دار الفكر .
2- مواهب الجليل ، الحطاب ، ج 2 ص 243 .
3- شرح الزرقاني ، ج2 ص 109 ، دار الفكر
4- نفائس الأصول ، ج 4 ص 1734 ، مكتبة نزار.
5- كشف الشبهات ، محمد الامين ، ص 382 ، والمغني لابن قدامة ، ج 2 ص 319 دار الكتب العلمية .
6- انظر مواهب الجليل ، ج 2 ص 141 -142 ، إحياء المقبور ، المرجع السابق ، ص 16 .
7- إحياء المقبور من أدلة جواز بناء المساجد والقباب على القبور- ص 17 السيد العلامة أحمد بن الصديق الغماري.
8- بدائع الصنائع ، الكاساني ، ج1 ص 472 ، دار الفكر .
9- سنن أبي داود ، كتاب الجنائز ، باب تسوية القبر .
10- صحيح البخاري – شرح ابن بطال المالكي- ج 3 ص 372، كتاب الجنائز ، باب ما جاء في قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – وأبي بكر .
11- ج1 ص 344 مادة سنم .
12- صحيح البخاري – شرح ابن بطال المالكي- ج 3 ص 341، كتاب الجنائز - باب الجريدة على القبر.
13- انظر شرح ابن بطال على صحيح البخاري ، ج3 ص 375 ، سنن أبي داود رقم 3218 .
14- التنقيح ، ج1 ص 438 ، مكتبة نزار .
15- نهاية السول للأسنوي ، ج3 ص 158 .
16- المجموع ، ج 5 ص 259 ، دار الفكر .
17- شرح الخرشي – ج 2 ص 139 – 140 ، مواهب الجليل ج 2 ص 242 و 244 ، حاشية البناني ، ج 2 ص 109 ، حاشية العدوي على الخرشي ، ج 2 ص 140 ، التاج والإكليل - المواق ، ج 2 ص 242 .
18- معيار الوزاني ، ج 2 ص 39 .
19- شرح الزرقاني على خليل ، ج 2 ص 109
20- مواهب الجليل ، ج 2 ص 243 .
21- معيار الوزاني ج 2 ص 39 .
22- إحياء المقبور ، ص 9 .
23- المرجع السابق ، ص9 .
24- المرجع السابق ، ص 8 .
25- المرجع السابق ، ص 9.
26- الفروع ، ج 2 ص 272- 273 .
27- نقلا عن كتاب إحياء المقبور ، ص 10 .
28- المرجع السابق ، ص 6 .
29- إحياء المقبور – مرجع سابق- ص35 .
30- المحلى ، ابن حزم ، ج 5 ص 134 ، دار التراث .
31- المرجع السابق والجزء ص 133 .
32- انظر شرح الزرقاني على خليل ، ج 2 ص 109 ، ضوء الشموع ، ج 2 ص 551- 552 ، معيار الونشريسي ، ج 1 ص 318.
33- كشف الشبهات ، ص 284 .
34- المرجع السابق ، ص 102 .
35- إحياء المقبور ، ص 7 .
36- شرح منح الجليل ، ج 4 ص 71 ، دار صادر .
37- انظر ضوء الشموع وحاشية حجازي ، ج 1 ص 552 .
38- إحياء المقبور ، ص 10 .
39- تاريخ الخلفاء ، ص 347 ، مطبعة السعادة مصر .
40- صحيح البخاري ، كتاب الجنائز ، باب من أحب أن يدفن في الأرض المقدسة ونحوها .

ملاحظة يبنغي أن يزاد في المطوية الآتي:
1. زيادة حديث ابن مظعون: في وضعه للحجر لمعرفة صاحبه.(أعرف به قبر صاحبي).
2. الجمع بين أمر الله لنا باتخاذ مقام إبراهيم مصلى وهو موضع قدميه، وبين نهيه صلى الله عليه وسلم عن بناء القبور.
3. لم يعلم من تاريخ اليهود والنصارى تعظيمهم لانبيائهم البتة ، بل قتلوهم وآذوهم أشد الإذاية.
4. البناء على القبر ليس عبادة. (هذه العبارة صلب الموضوع). كيف نثبتها في هذه المطوية.
1أعجبني · · المشاركة

nana

عدد المساهمات : 126
تاريخ التسجيل : 19/03/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى